مصر كانت بالنسبة لي حاجتين، شقة رمسيس و فادي. جدي و جدتي كانوا بيجسموا مصر لي، دوشة الشارع، الاكل اللي مابيتغيرش ، الحكاوي، اللمة يوم الجمعة، الطقوس اللي كانت بتديني الاحساس بالآمان.
و فادي كان الباقي. كان الضحك و المشاركة و الافصاح عن اللي جويا، سنين قبل ما افهم يعني ايه مشاركة. فادي كان الفن و الموسيقى و الفلسفة، المكان اللي كنت بعبر عن الافكار المجنونة الطفولية. كان يسمعني و يبتسم و بس. و لا مرة حكم او اتريق او قلل من حاجه شاركت بيها. فادي كان فاهمني اوي و عارف اني كنت بدور على مكان احلام و افكر بصوت عالي. و هو كان المكان ده. قلبه كان بيسعني.
ثلاثة سنين عدت على وفاته و السنة دي الذكرة ليها طعم تاني. انا هنا في مصر و هو مش هنا. قاعد في شقتنا و هو مش هنا. بعدي على الشقة و مش شايف اي ملامح من الماضي. الباب الرمادي. اسمه على الباب. لو عديت و الباب مفتوح، مفيش ريحت سجاير و لا jazz و لا صوت الجيتار و هو بيعزف. بقى اصوات تانيه و شكل تاني و ارضية تانيه.
و انا بكتب الكلام ده بلغة جديدة علي، من لغاته. و هو مش هنا يشوف التطور ده. مش هيشوف حاجات كتيرة. مش هنقعد نعزف و نهزر و نحلم و نفكر و ننكت تاني. مش هنزل بعربيته و نلف في شوارع مصر الجديدة. مصر اتغيرت في عنياي. الثوابت اتغيرت و انا عديت الاربعين و برغم اني ماعنديش نفس الفكر النوستلجي عن مصر، و لكن فادي كان في الهنا و الدلوقتي. فادي ماكنش فكرة و لا احساس. فادي كان شخص و انسان.
جزء كبير من التعامل مع الحزن كان تقبل التبصر اني ماستغلتيش الوقت معه كفيا. اعتمدت انه دايما هيبق موجود و هعرف اشوفه في تي وقت. كان ساعتين من السويد و شفته مرة في ال ١٠ سنين اللي كان فيهم في فرنسا. كنت بحبه بس كان حب سطحي، مابذلتش مجهود. كنت ملهي في حاجات تانيه. و هو سافر و انا لسه هنا. كنت بجلد نفسي في الاول. بس اقول ايه؟ كان جويا طفل متأكد انه فادي هيبقى موجود دايما. اروح اجي بس هو موجود.
ربنا يرحمه و ربنا يعلمني اني امسك في الناس المهمة و اتهنى بيهم قبل مايمشوا.